سورة الحج - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحج)


        


{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} أي: احذروا عقابه بطاعته، {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} والزلزلة والزلزال شدة الحركة على الحالة الهائلة، واختلفوا في هذه الزلزلة:
فقال علقمة والشعبي: هي من أشراط الساعة. وقيل: قيام الساعة.
وقال الحسن والسدي: هذه الزلزلة تكون يوم القيامة.
وقال ابن عباس: زلزلة الساعة قيامها فتكون معها. {يَوْمَ تَرَوْنَهَا} يعني الساعة، وقيل: الزلزلة، {تَذْهَلُ} قال ابن عباس: تشغل، وقيل: تنسى، يقال: ذهلت عن كذا أي تركته واشتغلت بغيره. {كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} أي: كل امرأة معها ولد ترضعه، يقال: امرأة مرضع، بلا هاء، إذا أريد به الصفة، مثل حائض وحامل، فإذا أرادوا الفعل أدخلوا الهاء. {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا} أي: تسقط ولدها من هول ذلك اليوم.
قال الحسن: تذهل المرضعة عن ولدها بغير فطام وتضع الحامل ما في بطنها بغير تمام وهذا يدل على أن هذه الزلزلة تكون في الدنيا لأن بعد البعث لا يكون حمل.
ومن قال: تكون في القيامة، قال هذا على وجه تعظيم الأمر لا على حقيقته، كقولهم: أصابنا أمر يشيب فيه الوليد، يريد شدته.
{وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} قرأ حمزة والكسائي: {سكرى وما هم بسكرى} بلا ألف وهما لغتان في جمع السكران، مثل كسلى وكسالى.
قال الحسن: معناه: وترى الناس سكارى من الخوف، وما هم بسكارى من الشراب.
وقيل: معناه: وترى الناس كأنهم سكارى، {وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}.
أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي، أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمش الزيادي، أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر بن حفص التاجر، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله بن عمر بن بكير الكوفي العبسي، أخبرنا وكيع عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله عز وجل يوم القيامة: يا آدم قم فابعث بعث النار، قال فيقول: لبيك وسعديك والخير كله في يديك، يا رب وما بعث النار؟ قال فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، قال: فحينئذ يشيب المولود، وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد، قال: فيقولون: وأينا ذاك الواحد؟» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تسعمائة وتسعة وتسعون من يأجوج ومأجوج ومنكم واحد»، فقال الناس: الله أكبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، والله إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة، والله إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة، قال فكبر الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنتم يومئذ في الناس إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، أو الشعرة السوداء في الثور الأبيض».
وروي عن عمران بن حصين، وأبي سعيد الخدري، وغيرهما: أن هاتين الآيتين نزلتا في غزوة بني المصطلق ليلا فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم فحثوا المطي حتى كانوا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأها عليهم فلم ير أكثر باكيا من تلك الليلة، فلما أصبحوا لم يحطوا السروج عن الدواب، ولم يضربوا الخيام ولم يطبخوا قدرا، والناس ما بين باك أو جالس حزين متفكر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدرون أي يوم ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذلك يوم يقول الله عز وجل لآدم قم فابعث بعث النار من ولدك، فيقول آدم: من كل كم؟ فيقول الله عز وجل: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار وواحد في الجنة، قال: فكبر ذلك على المسلمين وبكوا وقالوا: فمن ينجو إذا يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشروا وسددوا وقاربوا فإن معكم خليقتين ما كانتا في قوم إلا كثرتاه: يأجوج ومأجوج، ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة، فكبروا وحمدوا الله، ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة، فكبروا وحمدوا الله، ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا ثلثي أهل الجنة، وإن أهل الجنة مائة وعشرون صفا، ثمانون منها أمتي، وما المسلمون في الكفار إلا كالشامة في جنب البعير أو كالرقمة في ذراع الدابة، بل كالشعرة السوداء في الثور الأبيض أو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود. ثم قال: ويدخل من أمتي سبعون ألفا الجنة بغير حساب، فقال عمر: سبعون ألفا؟ قال: نعم ومع كل واحد سبعون ألفا، فقام عكاشة بن محصن فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت منهم، فقام رجل من الأنصار فقال: ادع الله أن يجعلني منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبقك بها عكاشة».


قوله عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} نزلت في النضر بن الحارث كان كثير الجدل، وكان يقول: الملائكة بنات الله، والقرآن أساطير الأولين، وكان ينكر البعث وإحياء من صار ترابا.
قوله تعالى: {وَيَتَّبِعُ} أي: يتبع في جداله في الله بغير علم، {كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ} والمريد: المتمرد المستمر في الشر. {كُتِبَ عَلَيْهِ} قضي على الشيطان، {أَنَّهُ مَنْ تَوَلاهُ} اتبعه {فَأَنَّهُ} يعني الشيطان، {يُضِلُّهُ} أي: يضل من تولاه، {وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} ثم ألزم الحجة على منكري البعث فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ} في شك {مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ} يعني: أباكم آدم الذي هو أصل النسل، {مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} يعني: ذريته، والنطفة هي المني، وأصلها الماء القليل وجمعها نطاف، {ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ} وهي الدم الغليظ المتجمد، وجمعها علق، وذلك أن النطفة تصير دما غليظا ثم تصير لحما، {ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ} وهي لحمة قليلة قدر ما يمضغ، {مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ}.
قال ابن عباس وقتادة: {مخلقة} أي تامة الخلق، {وغير مخلقة} غير تامة أي ناقصة الخلق.
وقال مجاهد: مصورة وغير مصورة، يعني السقط.
وقيل: المخلقة الولد الذي تأتي به المرأة لوقته، وغير المخلقة السقط.
روي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال: إن النطفة إذا استقرت في الرحم أخذها ملك بكفه وقال: أي رب مخلقة أو غير مخلقة؟ فإن قال: غير مخلقة، قذفها الرحم دما ولم تكن نسمة، وإن قال: مخلقة، قال الملك: أي رب أذكر أم أنثى، أشقي أم سعيد؟ ما الأجل ما العمل ما الرزق وبأي أرض يموت؟ فيقال له: اذهب إلى أم الكتاب فإنك تجد فيها كل ذلك، فيذهب فيجدها في أم الكتاب فينسخها، فلا يزال معه حتى يأتي على آخر صفته.
{لِنُبَيِّنَ لَكُمْ} كمال قدرتنا وحكمتنا في تصريف أطوار خلقكم ولتستدلوا بقدرته في ابتداء الخلق على قدرته على الإعادة.
وقيل: لنبين لكم ما تأتون وما تذرون وما تحتاجون إليه في العبادة.
{وَنُقِرُّ فِي الأرْحَامِ مَا نَشَاءُ} فلا تمجه ولا تسقطه، {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} وقت خروجها من الرحم تامة الخلق والمدة. {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ} من بطون أمهاتكم {طِفْلا} أي: صغارا، ولم يقل: أطفالا لأن العرب تذكر الجمع باسم الواحد. وقيل: تشبيها بالمصدر مثل عدل وزور. {ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ} يعني: الكمال والقوة.
{وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى} من قبل بلوغ الكبر، {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} أي: الهرم والخرف، {لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} أي: يبلغ من السن ما يتغير عقله فلا يعقل شيئا.
ثم ذكر دليلا آخر على البعث فقال: {وَتَرَى الأرْضَ هَامِدَةً} أي: يابسة لا نبات فيها، {فَإِذَا أَنزلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ} المطر، {اهْتَزَّتْ} تحركت بالنبات وذلك أن الأرض ترتفع بالنبات فذلك تحركها، {وَرَبَتْ} أي: ارتفعت وزادت، وقيل: فيه تقديم وتأخير معناه: ربت واهتزت وربا نباتها، فحذف المضاف، والاهتزاز في النبات أظهر، يقال: اهتز النبات أي: طال وإنما أُنِّت لذكر الأرض. وقرأ أبو جعفر: {وربأت} بالهمزة، وكذلك في حم السجدة، أي: ارتفعت وعلت.
{وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} أي: صنف حسن يبهج به من رآه، أي: يسر، فهذا دليل آخر على البعث.


{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} أي: لتعلموا أن الله هو الحق، {وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ}. {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} يعني النضر بن الحارث، {وَلا هُدًى} بيان {وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8